الجمعة، 22 يناير 2010

تحديات في مواجهة مرشد الإخوان الجديد

  • جاء اختيار المرشد العام الجديد لجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، كثامن مرشد للجماعة، في وقتٍ عصيبٍ تعرّضت فيه الجماعة لأول مرة في تاريخها لطوفانٍ من النقد الشديد الذي لم تَعْتَدْه من قبل، مِمَّا يُلْقي على كاهل الرجل مسئوليات جسامًا، بات حتمًا عليه أن يُواجِهَها.
  • المرشد العام الجديد، شخصية أكاديمية مَرْموقة؛ فهو أستاذ متميِّز في كلية الطب البيطري بجامعة بني سويف، وتَميُّزه جعل الهيئة العامة للاستعلامات تختاره عام 1999م كواحدٍ من أعظم مائة عالم عربي، وهو مؤسِّس المعهد البيطري العالِي باليمن. فضلاً عن تَمرُّسه في العمل الإسلامي؛ حيث إنّه عضو مكتب الإرشاد منذ عام 1993م.
  • هذه السيرة الذاتية- من حيث المبدأ وعلى المستوى النظري- تؤهِّل الرجل ليواجه التحديات التي تنتظره وتجعله ينجح فيها، لكن هذا النجاح سوف يتوقف على أمرين: الأمر الأول: هو مدى قوة شخصيته وتصميمه ومدى امتلاكه لرؤية إصلاحية ولبرنامج سياسي وفكري ومدى استعداده للدفاع عن رُؤاه وبرنامجه، والأمر الثاني: هو هل ستَسْمَح له مراكز الثِّقَل الحقيقية في الجماعة بتنفيذ برنامجه إذا كان هذا البرنامج موجودًا بالفعل؟وبالنسبة للأمر الأوَّل وهو شخصية الرجل وبرنامجه ورؤاه الفكرية، فإنّ هناك مخاوف من أن تكون قناعته الفكرية بأفكار الراحل سيد قطب والتي دخل بسببها السجن عام 1965م، وحُكم عليه بخمسة عشر عامًا، قَضى منها 9 سنوات، وخرج في 1974م، وانتماؤُه لما يسمى "القطبيون"، موجهًا له نحو قيادة الجماعة نحو الانكفاء والاهتمام بالتنظيم على حساب الاندماج في المجتمع والانخراط في العمل السياسي والاشتراك مع القوى الوطنية في منع توريث جمال مبارك، وفي العمل من أجل إصلاح النظام السياسي، وسلوك الرجل في الأشهر القادمة هو الذي سيُثْبِت صحة أو خطأ هذه المخاوف.
  • أما بالنسبة للأمر الثاني والخاصّ بطبيعة البِنْية الداخلية للتنظيم ومراكز القوة فيه، فقد جرت العادة على أنّ قادة وأعضاء التنظيم الخاصّ السابق هم مركز القوة الحقيقي داخل الجماعة مهما كانت شخصية المرشد. ونستحضر في هذا الصدد خبرتيْن: الأولى خبرة المرشد الثالث عمر التلمساني، ونستشهد بما رواه د.
  • عبد الله فهد النفيسي في كتابه ((الحركة الإسلامية))، حيث دارت مناقشة بين عمر التلمساني المرشد وبين كمال السنانيري القيادي البارز في الجماعة، والذي يعدّ أهم مركز قوة للجماعة في ذلك الوقت.. كان التلمساني يعتقد أنه المسئول وأن كلمته نافذة فأراد السنانيري أن يثبت له خطأ اعتقاده هذا، فنادى عاملَ البوفيه وقال له: لو أمرتُك أمرًا وأمرك الأستاذ عمر أمرًا آخر.. فأمْرُ من تُنفِّذ؟ قال العامل: أنفِّذ أمرك يا أستاذ كمال.
  • فسكت الرجل العاقل عمر التلمساني ولم ينطق بكلمة.
  • والخبرة الثانية هنا هي خبرة المرشد السابق محمد مهدي عاكف، ورغم أنّ الرجل كان من أهم رجالات التنظيم الدولي وأحد مراكز القوى الكبرى في الجماعة، إلا أنّ مشكلته مع الجماعة أنه كان جريئًا وصريحًا وصاحب رؤية تجديدية، لكن مراكز القوى الأخرى والأقوى فرضت رأيها عليه ومنعته من تنفيذ رؤاه وبرنامجه، وكان أكبر برهانٍ على ذلك حينما رفض مكتب الإرشاد بالإجماع ترشيحَ عاكف للدكتور عصام العريان ليكون عضوًا بالمكتب، وكان الرجل يتصوَّر أن تصديق المكتب على اختياره محسومًا لا محالة مع نِيَّته تمرير ترشيح العريان كنائب للمرشد ليتم تجهيزه خلال أشهر ليكون هو خليفة عاكف، إلا أن الرجل فوُجِئ بما فوجئ به من قَبْل الرجلُ الفاضل عمر التلمساني.
  • ولا ينبغي أن يفهم أحد أننا ننتقص من قدر قادة وأعضاء التنظيم الخاص السابقين، الذين يمسكون بمراكز القوة داخل الجماعة والذين يميلون للانكفاء على التنظيم وعدم الانفتاح على المجتمع. فالأمر هنا أمر نفسي وثقافي بَحْت، ومن نافلة القول الاعتراف بمكانة هؤلاء الناس وأخلاقهم وتاريخهم في الدعوة والعمل الإسلامي وإخلاصهم لفكرتهم، لكنَّ هذا شيء والإطار النفسي والثقافي شيء آخر؛ فهؤلاء القادة في الجماعة يُخَيَّل إليهم أنّ أي تجديد في الأطر التنظيمية والسياسية والفكرية للجماعة سيؤدِّي إلى انهيارها، ولذلك تجدهم يقدمون الأكابر في السِّنِّ، الذين يذكِّرونهم بأيام الجماعة الذهبية، ويرفضون الرُّؤى التجديدية حتى لو أتت من قادة متميزين في الجماعة من أمثال د. محمد حبيب ود. عبد المنعم أبو الفتوح. وهذا أمر مطَّرد في التنظيمات عمومًا حتى لو كانت علمانية.
  • أبرز التحديات التي تواجه المرشد الجديد هي الانقسام الداخلي الذي ظهر للعَلَن خلال انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة، واعتراض الكثيرين من أبناء الجماعة على إجراءات الانتخابات، التي وصفوها بأنها مماثلة لما يفعله الحزب الوطني من تربيطات وتجاوزات، وكانت أحاديث وتصريحات قادة في الجماعة من أمثال د. محمد حبيب ود. إبراهيم الزعفراني وغيرهم، ثم استقالة د. محمد حبيب، صريحة في التعبير عن حالة من الرفض والاحتجاج التي من المؤكَّد أنها أضرّت بالبناء التنظيمي للجماعة وصار مواجهةُ هذه الحالة من أولى أولوياتِ المرشد الجديد.
  • وتحدث الكثيرون من أعضاء الجماعة الحاليِّين والسابقين عن عيوب بارزة في تكوين هياكل الجماعة التنظيمية والإدارية مثل مكتب الإرشاد ومجلس الشورى، وأنّ هناك مجاملة ومحاباة وعدم عدالة وعدم شفافية في الاختيار، وعدم مراعاة لتوزيع الدوائر على المحافظات والأحياء حسب قواعد محددة غير قابلة للتعديل، بل إنّه في أحيان كثيرة تتم مجاملة أناس بعينهم.
  • وإذا كان الإخوان، كغيرهم من القوى الوطنية، ينتقدون حكومة الحزب الوطني والبرلمان غير الشرعي الناتج عن انتخاباتها المزوَّرة، فإنّه بات لزامًا عليهم، وهم يطرحون أنفسهم بديلاً للنظام القائم، أن يقنعوا المجتمع المصري بأنّهم بديل موثوق فيه، يطبق العدالة والشفافية على نفسه قبل أن يطبقها على الآخرين، ومن هنا فإنّ لائحة الإخوان والتي هي بمثابة الدستور والقانون الحاكم للجماعة ينبغي على المرشد الجديد أن يُواجِهَها ويجعلها من أهم التحديات التي تواجهه، وأن يقوم بالتعديل الحقيقي المطلوب عليها، الذي ينقل الجماعة نقلة نوعية في مجال حقوق وواجبات العضو وفي مجال الترشح والانتخاب.. الخ، وبات ضروريًا تعديل هذه اللائحة قبل أن يتحدث الإخوان ومرشدهم الجديد عن تغيير الدستور الذي يحكم المصريِّين.وإذا كانت مصداقية الجماعة قد اهتزّت بعد أن قضى استفتاء أول بين أعضاء مجلس الشورى بإجراء انتخابات مكتب الإرشاد بكاملها في يونيو 2010م، على أن يتوَلَّى النائب الأول د. محمد حبيب مهام المرشد خلال الفترة الانتقالية، ثُمَّ ألغيت نتائج هذا الاستقاء، وأجري استفتاء آخر، قضَى بضرورة التعجيل بانتخاب مجلس الإرشاد الجديد والمرشد الجديد على وجه السُّرعة من قبل مجلس الشورى الحالِي، فإنّ على المرشد الجديد أن يعيد هيكلة الجماعة داخليًا بما لا يسمح بهذا الاضطراب الذي تكون نتيجته شديدة السلبية على الجماعة.
  • وإذا كان القيادي الإخوانِي الكبير د. عصام العريان يتحدث عن "ضبابية في اللوائح"، تُحتِمّ مناقشتها وتعديلها، وأنّ هذا التعديل يتطلب نقاشًا مفتوحًا بين أعضاء مجلس شورى الجماعة، وأنَّ ذلك يستحيل مع التضييق الأمني على الجماعة الذي يمنعها من عقد اجتماعات موسَّعة أو عامة لمجلس الشورى، لمناقشة الأمور التي تَهُمّ الجماعة لاسيما القرارات الهامة، وبالتالِي ليس أمام الجماعة سوى إقرار أمورها بالتمرير، فإنَّنا نؤكِّد أن "الضبابية" بل عدم الشفافية موجود، والتعديل ممكن، والنقاش لا ينقطع، وطرح الأمر على مكتب الشورى ممكن بآليات كثيرة، لكن الغائب الوحيد هو "نفسية وإرادة وثقافة وقرار التغيير والتعديل"؛ لأن التمرير معادل موضوعي للتوريث، وهو يضرب بعنف أية قواعد للشورى وأيّة معايير سياسية بالمعنى "الديمقراطي".
  • من التحديات المهمة إذًا، أن يجعل المرشد الجديد تنظيم الإخوان نموذجًا يُحْتَذى على مستوى حقوق العضو وواجباته وقيمته واحترام رأيه، وأن يحترم الرؤى المخالفة طالَمَا كانت على الأرضية الإسلامية، وأن يثبت للمجتمع أنَّ الإخوان لا يَضِيقون بالمخالف ولو كان أحد قيادييهم، وأن يضرب المثل بجماعته في الشفافية واحترام القانون، حتى إذا تكلَّم سكت الجميع؛ لأنهم يعلمون أنَّ الرجل تصدقه أفعال جماعته، فلو طالب بتعديل الدستور يكون مقنعًا، ولو طالب بانتخابات عادلة وفرص متكافئة وفرزٍ نَزِيه يكون منطقيًا مع نفسه.
  • وإذا كان المرشد السابق قد ضرب المثل وحرص على الانسحاب وعدم الترشُّح لولاية ثالثة، وكان حريصًا على التجديد والدفع بالشباب، فإنّ على المرشد الجديد أن يكمل ما بدأه سلفه وأن يضيف إليه ولا ينتقص منه.وعلى رأس أولويات المرشد العام الجديد أن يُثْبِت للجميع أنه لم تكن هناك صفقة، كما ردّد كثير من المراقبين، بين الدولة والإخوان، جعلت انتخابات مكتب الإرشاد ومبايعة المرشد تتمّ في هدوء وبلا تضييق أمني، مساهمة من الدولة في إتمام هذه العملية التي أطاحت بالإصلاحيين وأتَتْ بمن سيأخذون الإخوان بعيدًا عن الشأن العام وعن العمل السياسي ما من شأنه أن يُسهِّل تمرير التوريث، وهو ما يريده النظام.
  • قراراتُ المرشد وقيادتُه للجماعة ومواقفُه العملية، وليست تصريحاته فقط، هي التي ستُثْبت صحة هذا الاتهام أو تلقي به بعيدًا وتدفع التهمة عن الإخوان. وسوف يكون ملف التوريث هو الاختبار الحقيقي للمرشد الجديد.ولا يخفى على السياسيين والمراقبين أنّ علاقة الإخوان في الفترة الأخيرة بأحزاب المعارضة والقوى الوطنية قد ضَعُفت، نتيجة امتناع الإخوان عن المشاركة في عدد من الفعاليات السياسية للمعارضة، لاسيما أزمة عمَّال المحلة، وإضراب 6 أبريل، والاختلاف حول عدد من القضايا الساخنة، وبات على المرشد الجديد أن يُواجِه هذا التحدِّي، وإلا فسوف تتأكد مخاوف البعض من الاتجاهات الانكفائية للمرشد الجديد.
  • كما تضرّرت سمعة الجماعة على المستوى الإعلامي بعد انتخابات مكتب الإرشاد، وقد نقل الإعلام هذا التضرُّر إلى رجل الشارع، ما من شأنه أن يقف حائلاً أمام دخول شباب جُدُد للجماعة، وعلى انحياز الكثيرين لطرحها السياسي والفكري ولتميُّزها الديني والأخلاقي، وعلى المرشد الجديد مواجهة ذلك وعلاجه.
  • وإذا كنا نَهْتَم بما حدث ويحدث في جماعة الإخوان المسلمين، وربما ننقده، فإنّ ذلك يكون على أرضية الاهتمام بأمر الحركة الإسلامية ككل، التي يشكل الإخوان الرقم الأهم فيها، وممارسات وخبرات الإخوان تنعكس بطبيعتها على مُجْمَل فصائل الحركة الإسلامية، وبالتالِي فإننا لن يكون عندنا حركة إسلامية ناضجة سياسيًا وفعالة جماهيريًا ودعويًا ومدافعة صلبة عن الإسلام والشريعة والهوية إلا إذا تأسَّست على أسس قوية ومقنعة للناس مؤكِّدة لهم أن انحيازهم للحركة الإسلامية كان هو الخيار الصحيح.إنَّ جانبًا كبيرًا مما تُعانيه الحركة الإسلامية يَكْمُن في الخَلَل الملحوظ في قيادتها، فقد افتقدت الحركة إلى حدّ كبير للقيادات المثقفة الثقافتين الشرعية والعصرية، المنفتحة على الناس التي تُجِيد الإحساس بهم ومخاطبتهم وحمل أمانيهم والعمل من أجلهم بتجرُّد ودون انتظار للمنصب أو المردود المادي، والتي تهتم بالإسلام ورسالة الإسلام وروح الإسلام ودعوته قبل أن تَهْتَم بالانتماء والموقع مهما كان.وأزمة القيادة عانَى منها أيضًا الإخوان المسلمون حينما رحل المؤسِّس المُلْهَم حسن البنا الذي لم تستطع الجماعة تعويضه، وعدم وجود قيادة في حَجْمه وإمكاناته وقدراته جعل الإخوان يتعرَّضون لأكبر مِحْنة في حياتهم عامي 1954م، و1965م، وأدَّعي أن البنا لو كان يقود الإخوان أثناء هذه الفترة ما تعرَّضوا لهذه المحنة، فالمحنة تتحمل قيادة الإخوان- وقتها- جزءًا كبيرًا منها، ولم تكن في مستوى الحدث؛ فهمًا وتحليلاً وتوقعًا وانفعالاً وقراراتٍ، ويجب أن ينقد الإخوان، بل الحركة الإسلامية كلها، أنفسهم ويسلمون بأخطائهم حتى يتعلّموا منها ولا يكتفون بالترديد المستمرّ في كل مرة أنهم ضحايا، فاستهداف الحركات الإسلامية والتآمر عليها أمر مُسلَّم به، لكننا لو سرنا في هذا الطريق إلى النهاية لارتكبنا جنايةً كبرى، فالاعتراف بالمؤامرة موجود لكن الأهمّ منه هو التركيز على إرادتنا نحن وفعلنا نحن ودورنا نحن، فذلك هو الأساس وهو الذي يبني ويقود للتغيير والبناء.
  • ففكرة المؤامرة تلعب دورًا جيدًا في تسكين الآلام وفي التخدير، لكن دورها شديد السلبية في البناء والتطوير، فالاعتراف بالأخطاء والاستفادة منها هو أوَّل الطريق الصحيح.وإذا كانت القيادة في العمل الإسلامي وفي الحركة الإسلامية على هذا القدر من الأهمية والخطورة؛ للآثار المترتبة على قراراتها، يكون اهتمامنا اليوم بالمرشد الجديد وتعويلنا عليه وأملنا فيه أن يضع بصَمْته وأن يوظِّف خبراته ومؤهلاته لخدمة حقيقية للعمل الإسلامي والدعوة الإسلامية، وأن يهتم بقضية الشريعة التي توارت بعيدًا عن اهتمامات الإخوان، وأن يهتمّ بالإسلاميين وينسِّق معهم ولا يتعالَى عليهم مثلَمَا يهتم بالعلمانيين والقوى السياسية والفكرية.
  • المصدر: الإسلام اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري