- الإغاثة الإنسانية...أداة سياسية وأجندة خفية لزلزال العنيف والمدمر والذي ضرب هايتي، ذلك البلد البائس والذي عانى من تاريخ استعماري استعبادي طويل وتدخلات القوى الدولية في صياغة حاضره ونظامه السياسي، كان فرصة ذهبية لإدارة الرئيس الأمريكي أوباما للظهور دوليا بالمظهر الإنساني ولتعديل الصورة التي علقت في الأذهان للجيش الأمريكي والتي تلطخت بدماء ومعاناة العراقيين والأفغان. بيد أن إعجاب الكثيرين بالقيادة التي أظهرتها واشنطن وسرعة ردة فعلها، سرعان ما تلاشت وتبخرت ليتضح للمتابعين بأن مسألة الإغاثة كحقوق الإنسان، شعارات نبيلة لتحقيق مآرب سياسية.ففي الوقت الذي هرعت فيه القوات الأمريكية إلى هايتي للشروع في عمليات الإنقاذ، كان بعض المسؤولين الأمريكيين يتفقدون على الحدود المصرية-الفلسطينية الجدار الفولاذي والذي تبنيه السلطات المصرية استجابة للرغبات الأمريكية والإسرائيلية لإحكام الحصار على أكثر من مليون ونصف فلسطيني يتعرضون لموت بطيء وما يشبه الإبادة الجماعية. فكيف يستطيع الضمير الحي أن يتقبل الإنسانية في إغاثة هايتي متزامنة مع القسوة والفظاظة بحق أطفال وشيوخ ونساء غزة المحاصرين بعد عام على محرقة إسرائيلية اقترفت فيها جرائم حرب بشهادات دولية؟التعامل الأمريكي مع كارثة هايتي اعتبره بعض المراقبين محاولة لتنفيذ أجندة سياسية، بل إن الرئيس الفنزويلي تشافيز اتهم الولايات المتحدة باستغلال الزلزال ذريعة لاحتلال هايتي.
وقال تشافيز في برنامج تلفزيوني: "قرأت عن وصول ثلاث الآف جندي من مشاة المارينز المسلحين وكانهم في حرب. يا الهي وكانه ليس هناك ما يكفي من الاسلحة. كان يتعين ان ترسل الولايات المتحدة الاطباء والادوية والمستشفيات الميدانية"، وأضاف: انهم يحتلون هايتي تحت ستار اعمال الاغاثة، علاوة على ذلك، لا تراهم في الشوارع، هل ينتشلون الجثث؟ هل يبحثون عن المصابين؟ انك لا تراهم، اني لم ارهم، اين هم اذا؟. وكان وزير الدولة الفرنسي لشؤون التعاون الان جويانديه قد اعلن انه قدم "احتجاجا رسميا" الى الولايات المتحدة بعد منع طائرة فرنسية كانت تحوي مستشفى عسكريا من الهبوط في المطار الذي سيطرت عليه القوات الأمريكية.وفي تطور ذو دلالات أوقفت الولايات المتحدة عملية نقل جرحى الزلزال إلى مستشفياتها لتلقي العلاج فيما حذر بارث جرين وهو أحد كبار المسؤولين الطبيين في مستشفى ميداني في مطار بورت او برنس من أن إيقاف نقل الجرحى قد يؤدي إلى الكثير من الوفيات وخاصة في الحالات الحرجة. وقال جرين هناك مئات الآلاف من المصابين في حالة حرجة ومن الذين أصيبوا بإعاقة بالغة ونحن لا نرسل سوى بعض المئات إلى الولايات المتحدة، وأضاف جرين إن وزارة الخارجية الأمريكية ووزارتي الدفاع والأمن الداخلي كانوا يتعاونون مع الأطباء العاملين على إغاثة ضحايا الزلزال، ولكن "أوامر عليا" أوقفت نقل المصابين. وفي حين قال مسؤول في الجيش لصحيفة نيويورك تايمز إن الرحلات الجوية لنقل الجرحى الى المستشفيات الامريكية توقفت منذ يوم الاربعاء بعد امتناع مستشفيات امريكية من استقبال مصابي هايتي، فيما قال متحدث باسم البيت الأبيض إن وقف نقل الجرحى ناجم عن أمور لوجيستية وليس بسبب التكاليف. الدولة العبرية والتي تضطهد الفلسطينيين وتنتهك حقوقهم وإنسانيتهم منذ عقود، أرسلت على الفور مستشفيا عسكريا ميدانيا لإغاثة الهايتيين، ولم يحاول رئيس وزرائها نتنياهو إخفاء السبب الرئيسي للمهمة "الإنسانية" وهو يستقبل الفريق الطبي العائد معتبرا أن المهمة حسنت صورة اسرائيل بعد اتهامات بارتكاب جرائم حرب اثناء هجوم على غزة. واضاف "بصورة خاصة حين يكون هناك من يتآمرون ضدنا ويشوهون الحقائق ويشهرون بنا فقد اظهرتم الوجه الحقيقي لقوات الدفاع الاسرائيلية." وانتهز نتنياهو الفرصة لينتقد تقرير جولدستون والذي أشار إلى المخالفات الإسرائيلية في حرب غزة وخاطب أعضاء الفريق "لقد رفعتم المعنويات ورفعتم اسم دولة اسرائيل وقوات الدفاع الاسرائيلية."نتيناهو تجاهل تماما الاتهامات الخطيرة والتي وجهها ناشط أمريكي إلى البعثة الطبية الإسرائيلية ، بسرقة الأعضاء البشرية لضحايا الكارثة. فلقد ذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية أن الناشط الأمريكي ت.ويست والذي يعيش في سياتل، حمّل شريط فيديو على موقع "يوتيوب" الالكتروني يتهم فيه جنودا إسرائيليين شاركوا في عمليات الإغاثة في هايتي، بالتورط في سرقة اعضاء من ضحايا الزلزال. اتهامات الناشط الأمريكي الخطيرة مرت على الإعلام العالمي والمحافل الدولية مرور الكرام. يجدر ذكره هنا إلى أن السلطات الأمريكية ألقت القبض في يوليو الماضي على عدد من الحاخامات في ولاية نيوجيرسي بتهمة الاتجار بالأعضاء البشرية. كما نشرت صحيفة "افتونبلاديت" السويدية في أغسطس مقالا يتهم جنودا إسرائيليين بسرقة اعضاء انتزعوها من جثث فلسطينيين، وهو ما اعترف به مؤخرا مدير معهد الطب الشرعي الإسرائيلي السابق يهودا هيسو والذي أقر بانتزاع أعضاء بشرية من فلسطينيين موتى دون موافقة ذويهم.وحتى تكتمل الصورة المفزعة والمفجعة، فلقد أعلن ايف كريتسالان وزير الشئون الاجتماعية والعمل الهايتي إنه تم اعتقال عشرة مواطنين أمريكيين يشتبه بقيامهم بـ"سرقة" 31 طفلا تراوح أعمارهم بين شهرين و12 عاما قرب الحدود مع الدومينيكان. مؤكدا : "إنها عملية سرقة وليست تبنيا"، مضيفا: "لمغادرة هايتي، يحتاج الطفل إلى إذن من معهد اجتماعي يهتم بحالات التبني". وأضاف أن قسين، الأول في هايتي والثاني في أتلانتا ضالعان أيضا في القضية.وبالرغم من نفي أحدى المشتبه بهم وهي، لورا سيلزبي، رئيسة جمعية مأوى أطفال "الحياة الجديدة الخيرية" ومقرها ولاية ايداهو، بأن يكون المُعتقلون قد قاموا بأي شيء مناف للقانون. فإن المسألة تستدعي من الذاكرة فضيحة محاولة جمعية فرنسية "خيرية" اختطاف أكثر من مئة طفل من تشاد بزعم أنها أرادت إنقاذ أطفال أيتام من ويلات الحرب في دارفور في نهاية 2007. وقتها اتهمت السلطات التشادية الجمعية الفرنسية بخطف الأطفال التشاديين ومحاولة طمس هويتهم، وقال الرئيس التشادي إدريس دبي إن "هدف الخاطفين هو فصل الأطفال عن أهلهم وبيعهم لعصابات المنحرفين جنسيا في أوروبا والذين يقومون بانتهاك الأطفال أو حتى قتلهم وبيع أعضائهم". الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ندد حينها بالعملية ووصفها بأنها "غير قانونية وغير مقبولة". وبالرغم من ثبوت الجرم وإدانة المجرمين فلقد تم الإفراج عنهم بعفو من الرئيس التشادي مقابل الدعم الفرنسي لنظامه في مواجهة معارضيه.تضيع الأصوات وتختلط الحقائق بالشائعات ولا يتوقف العالم عند إدعاءات خطيرة من قبيل المتاجرة بالأطفال أو اتهامات فظيعة مثل سرقة أعضاء الضحايا ما دام المتهمون من المحسوبين على الغرب وما دام الضحايا من أصحاب البشرة الداكنة أو من رعايا العالم الثالث، إنه عالم يفتقر بلاعبيه الأساسيين للقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية. ترى ماذا سيكون ردات الفعل وكيف ستكون التغطية الإعلامية لو كان المتهمون من العرب والمسلمين؟ أو لو أوقفت سلطات هايتي إمام مسجد بتهم محاولة اختطاف الأطفال؟
السبت، 13 فبراير 2010
الإغاثة الإنسانية...أداة سياسية وأجندة خفي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري