الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

جدار العار !!!

  • أمس الأول طلعت علينا الصحف بتصريح لوزير الخارجية عن سيادة مصر وأمن حدودها لم يرد فيه ذكر للجدار العازل الذي بدأت مصر بناءه على حدودنا مع غزة، وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم تنطق حكومة مصر بكلمة واحدة عن الجدار.. ولا كلمة في الوقت الذي يتغنى فيه النظام بأن إعلامنا حر وسماواتنا مفتوحة والمعلومات عن أي شيء وكل شيء متاحة، وبأننا لم نعد نتسقط الأخبار من الإذاعات الأجنبية كما كان عليه الحال فى عهد عبد الناصر..
    وفي الوقت الذي لدينا فيه متحدث رسمي بإسم الرئاسة، ومتحدث رسمي بإسم مجلس الوزراء، ومتحدث رسمي بإسم الخارجية، فإننا لم نسمع خبر إقامة الجدار العازل من أحد من هؤلاء، ولا من أي من عشرات القنوات الإذاعية والتلفزيونية الرسمية أو من الصحف الحكومية.. جاءنا الخبر أول ما جاء من صحيفة (إسرائيلية) هي «هآرتس» منذ أسبوع، ثم تتابع من وكالات الأنباء الدولية، حتى أكده في النهاية نائب وزيرة الخارجية الأمريكية وهو يتنصل من مسؤولية أمريكا عن الجدار، ملقياً تبعة اتخاذ القرار فى شأنه على مصر وحدها.. أما مصر الرسـميـة صاحبـة الشـأن أولاً وأخيراً فقد ظلت بكماء خرسـاء!
    لا تفسـير لذلك إلا واحد من اثنين، إما أن الحكومـة تعلم جيداً أن قرار إقامـة الجدار العازل مع غزة لن يلقى قبولاً شـعبياً عريضاً أو أنـه سـيُثير سـخطاً عربياً عارماً، ولذلك فهي لا تريد أن تنشـره على الناس إن لم تكن تود أن تتبرأ منـه، وبهذا فهي حكومـة جبانـة، أو أنها لا تأبه بمشـاعر شـعبها ولا يهمها مَنْ عارض ومَنْ أيد، مصريين كانوا أم فلسـطينيين أم عرباً، وبذلك فهي حكومـة متغطرسـة..
    ربما يكون هناك تفسـير ثالث أيضاً، هو أن الحكومـة.. مثلها مثل حكومات الدول المتخلفـة المنغلقـة.. تعتقد أن عدم نشـرها للخبر يعني أنه لن يُنتشـر، وأن أفضل وسـيلـة لوأده فى مهده هي تجاهلـه، وعندئذ فهي حكومـة غبيـة.. المؤكد في كل حال، وإن كنا عرفنا ذلك ألف مرة من قبل، أن إعلام الحكومة الرسمي لم يعد يُغطي الأخبار، وإنما يُغطي عليها.. جريدة حكومية واحدة محدودة الانتشار هي التي نشرت الخبر موجزاً بعد أن لوت عُنقه.
    مع ذلك فإن مواصفات الجدار المصري العازل، طوله وعرضه وعمقه والمواد التى يُبنى بها، أصبحت من كثرة ترديدها في إذاعات العالم وصحفه نبأ مشاعاً، لكن الأخطر من هذا كلـه أنـه يُقام بخبرات أمريكيـة، وتحت إشـراف سـلاح المهندسـين بالجيـش الأمريكى، وأنه يُزود بمعدات أمريكيـة، وأنـه يتكلف مئات الملايين من الدولارات من ميزانيـة الولايات المتحدة الأمريكيـة..
    هو جدار أمريكي إذن أُقيم على أرض مصر طوعاً بموافقتها أو كرهاً بإرغامها، وأمريكا هي صاحبـة مصلحـة أولى في بنائـه، إذ هي تحمي بـه ربيبتها (إسـرائيل) كما فعلت ذلك منذ قيامها وحتى سـارعت مؤخراً بعد العدوان (الإسـرائيلي) البربري على غزة في يناير الماضي.. وقتها عقدت أمريكا، قُبيل انتهاء ولاية (بوش)، اتفاقاً أمنياً مع (إسرائيل)، قيل إن مصر رفضت الانضمام إليه وإن كانت وثيقة الصلة بكل ترتيباته، ونتائج اجتماعاته في كوبنهاجن ولندن، والخطوات التنفيذية التي أُقر اتخاذها على الأراضى المصرية لمكافحة أي اختراق يهدف إلى تهريب السلاح والبضائع إلى غزة، وذلك بالتعاون مع قوة الرقابة الأمريكية الرابضة في سيناء.
    الهدف من إقامـة الجدار واضح إذن، فهو يُحكم الحصار المصري على غزة من الجنوب بعد أن أحكمت (إسـرائيل) قبضتها عليها شـمالاً وشـرقاً وغرباً، بل إن الهدف ـ كما ورد فى تصريح خطير للمفوضـة العامـة لغوث اللاجئين (كارين أبو زيد) ـ هو «التمهيد لشـن هجمة (إسـرائيليـة) مرتقبة على قطاع غزة»..
    سواء حدث هذا الهجوم أم لم يحدث، فالجدار سيئ السمعة طبقاً للمفوضة السامية الأمريكية الجنسية «سـوف يزيد من صعوبـة الحياة بالنسـبـة للفلسـطينيين في القطاع» الذين لم يعد لهم منفذ على العالم سوى بوابة رفح، بعد أن سيطرت (إسرائيل) سيطرة تامة على معابر القطاع الستة الأخرى.
    وقد أثار تصريح أبو زيد صدىً في أمريكا، بدأت معه حملة مضادة شارك فيها عقيد احتياط في الجيش الأمريكى طالب «بمحاسـبـة الإدارة الأمريكيـة وحكومتي مصر و(إسـرائيل) باعتبارهم مشـاركين فاعلين في المعاملـة اللاإنسـانيـة المسـتمرة لأهالي قطاع غزة وانتهاكاتهم لحقوق الإنسـان الفلسـطيني».
    في مصر الآن أيضاً بيانات عاجلة قدمها نواب معارضون في برلمان الحزب الوطني يحتجون فيها على إقامة الجدار الذي اعتبروه جريمة تُرتكب في حق سكان غزة، إن لم يكن جريمة مصر الأولى هذا العام.. ففي عدوان يناير (الإسرائيلي) الذي استمر ٢٢ يوماً قُتل خلالها ١٤٤٠ فلسطينياً وأُصيب ٥ آلاف آخرين، وشُرد ٥٠ ألفاً بلا مأوى، صمتت مصر صمتاً مخزياً على العدوان، ثم واصلت الصمت على غارات (إسـرائيل) على حدودنا بهدف تدمير الأنفاق فإذا بقنابلها تسـقط على أراضينا مرات وتهدم بيوت المصريين الحدوديـة مرات أخرى.
    وأحكمت مصر إغلاق الحدود طوال هذا العام ومنعت قوافل المساعدات الدولية والمصرية من دخول القطاع إلا بطلوع الروح، وحالت بين الفلسطينيين والخروج منه إلا بالقطارة.. بعد كل هذا تشترك مصر مرة أخرى مع (إسرائيل) وأمريكا فى إقامة جدار يخنق اقتصاد غزة ويُجوّع مليوناً ونصف مليون فلسطيني بهدف تركيعهم لسطوة (إسرائيل)، أو استنفارهم ضد حكم "حماس"، وإسقاط "حماس" ذاتها لصالح حكم أبو مازن المتواطئ مع الغرب.. تلك هي الجريمة سواء كنا راضين عن أداء "حماس" أو ساخطين عليه.
    وضاعف من وطأة هذه الجريمـة الزفـة الإعلاميـة الرسـميـة المصريـة التي خرجت بطبل الردح البلدي منذ عدوان يناير وحتى الآن تُروج لنزع عباءة مصر العربيـة، وتُكرر بإلحاح سـمج أكذوبـة أن مصر اسـتنزفت دم أبنائها وموارد خزينتها وحدها، وأن "الفلسـطينيين ناكرون لجميلها"، وزادت الحملـة هوسـاً عندما اشـتد العدوان على غزة وخرج بعض من أبنائها هاربين من الجحيم إلى مصر فوجدوا أبوابها موصدة في وجوههم فاقتحموها.. وقتها أطلقت السـلطـة المصريـة كلابها المسـعورة تنبح بأن "السـيادة المصريـة انتُهكت"، وأن أمن مصر القومي في خطر، وأن الفلسـطينيين قادمون ليسـتوطنوا سـيناء!!!
    اليوم نجد السعار على وشك أن يتجدد في انتظاره للضوء الأخضر، مما يُنبئ أن مصر تتخبط من جديد، وهي تقع في مأزقها الثالث في شهر واحد.. في أربعة أسابيع فقط ينطلق "باشكتبة" النظام في ثلاث حملات إعلامية، سميناها في مقال سابق "طاحونة الشرشحة والغلوشة".. أولى الحملات الخائبة كانت ضد الجزائر، وخسرها النظام المصري، والثانية كانت ضد البرادعي، وخسرها أيضاً النظام المصري، وها هي الحملة الثالثة تبدأ وسوف يخسرها النظام المصري قطعاً..
    أقول قطعاً لأن هذه الحملة تُعيد تغليف المبررات العطنة التي تزعم أن مصر تحمي بالجدار الفلسطينيين أنفسهم، فى حين أن الفلسطينيين لم يطلبوا حمايتها.. أن الفلسطينيين يجب ألا يتسللوا إلى مصر أو يدخلوها إلا بتصريح رسمي، وهو أمر طبيعي وإن يُفسد منطِقَه "برطعة" (الإسرائيليين) في سيناء دون حاجة إلى تأشيرة.. أن هناك مخططاً (إسرائيلياً) لطرد الفلسطينيين من غزة ليستقروا في سيناء، في حين أنه كان من الممكن لمصر أن تتفادى توطين الفلسطينيين تماماً إذا ما كانت عمرت سيناء ووطنت فيها المصريين أنفسهم.. أن مصر تخشى توقيع عقوبات عليها إن لم تُحاصر غزة وتمنع تهريب السلاح في الأنفاق السرية إليها، فإذا بمصر تتورط فى جريمـة ضد الإنسـانيـة وضد الدين وضد القيم الأخلاقيـة وهي تمنع ـ على حد قول صحيفـة الـ (إندبندنت) البريطانيـة ـ وصول الغذاء وضرورات الحياة اليومية للفلسـطينيين.. أن الجدار يهدف إلى منع المتسللين الأفارقة إلى (إسرائيل)، فى حين أن هذه مسؤولية (إسرائيلية) بداية، وأنه إذا كانت مصر تريد التطوع بمنعهم لكان عليها أن تبنى أيضاً جداراً فولاذياً مع (إسرائيل)..
    كل هذا اللغط كان يُمكن لمصر أن تتفاداه لو أنها وضعت يدها على أصل المشـكلـة وهو الاحتلال والحصار، وعملت مع غيرها من الدول العربيـة والصديقـة عملاً جاداً مخلصاً لإنهائهما، وسـمحت بمرور الأشـخاص والبضائع مروراً حراً وقانونياً ومحكماً كما يحدث في منافذ مصر الحدوديـة الأخرى، وبدلاً من أن تُقيم الجدار اسـترضاءً (لإسـرائيل) وأمريكا كان يُمكنها أن تُطالب بتعديل بنود معاهدة السـلام للسـماح بوجود أكبر للجيـش المصري في سـيناء، هو وحده القادر على إيقاف التهريب.
    لكن مصر لا تريد "عكننة" (إسرائيل)، بل إنها فى إطار مخطط واسع يشمل دول الاعتدال العربية مع أمريكا دخلت فى صفقات مشينة مع (الإسرائيليين)، واتفاقات بعضها معلن وبعضها مبطن، آخرها الاتفاق على الجدار العازل مع غزة الذي يُحاولون تسويقه الآن بحجة فضفاضة مراوغة وهي "الحفاظ على أمن مصر القومي"، دون أن يسألوا أنفسهم أولاً: أي أمن لمصر بالاستناد إلى (الإسرائيليين)؟
    أي أمن لمصر عندما تسحب مصر نفسها ـ كما تقول وكالة (أسوشيتدبرس) ـ من أي دور قيادي لها في مشكلات فلسطين؟ وتفقد وزنها كوسيط في المصالحة الفلسطينية بمعاداتها فريقاً وانحيازها للآخر؟
    أي أمن لمصر ونحن نُسلم حدودنا للأمريكيين؟
    أي أمن لمصر بالانسلاخ عن العرب الذين ندّعي دوماً زعامتهم، وهل يمكن فعلاً أن ننزع جلدنا ونستقيل من تاريخنا وننسف ثقافتنا وهويتنا ونغير ديننا ونُبدل موقعنا على الخريطة؟
    هل أمن مصر في حصار غزة أم أن أمنها في فك هذا الحصار..؟
    وهل تُدرك مصر حقيقة تبعات هذا الجدار..؟
    هل تذكر كم شوَّه موقفها أثناء عدوان غزة سمعتها وكم نال من الريادة التي تزعمها لأمتها، هل تذكر المظاهرات التي خرجت محتجة على أبواب سفاراتها في العالم كله وفي عواصم عربية عدة منها بيروت التي حوصرت فيها سفارتنا أياماً ورُجمت بالحجارة..؟
    ها هي بيروت تتململ اليوم مرة أخرى ويُعلن رجل دولتها الرزين الرئيس «سليم الحص» غضبه..
    وغداً ـ أجزم لكم ـ ستخرج في لبنان وغيره مظاهرات حانقة.. وعندها سيطل الناعقون لدينا من جحورهم في هبة هستيرية تتسبب في أعاصير غضب أخرى لا قِبل لمصر بها.. وقتها سنتباكى كما تباكينا أيام حرب الكرة مع الجزائر: لماذا يكرهنا العرب؟
    لكننا نتناسى أن العرب، والنخبة بينهم بالذات، يعرفون عن مصر ما لا يعرفه بعض المصريين.. يعرفون أنها عندما حاربت (إسرائيل) لم تحاربها من أجل عيون الفلسطينيين وحدهم.. حاربتها أساساً لأنها خطر على أمن مصر القومي ذاته، ولأنها تُدافع عن بوابتها الشرقية التي كانت المعبر الأول لكل غزاة مصر عبر تاريخها الممتد.. يعرفون أن مصر كانت هي المسؤولة عن غزة وفقاً لاتفاق الهدنة العربية (الإسرائيلية) في ١٩٤٩، وأن جنرالاً مصرياً كان حاكمها الإداري حتى ضيّعت مصر ـ أُكرر ضيعت مصر ـ القطاع في حرب ٦٧ مع ما ضاع حينئذ من أراضيها..
    يذكر العرب أيضاً أن معظم دولهم قطعت علاقاتها مع مصر عندما انفردت بالصلح مع (إسـرائيل)، مديرة ظهرها لعمقها العربي.. يزعجهم كل يوم أن مصر تفتح أحضانها لقادة (إسـرائيل) الذين يزورونها تباعاً؛ حتى إن رئيـس وزرائها المتعجرف دُعى لإفطار في رمضان الماضي على المائدة الرئاسـيـة في شـرم الشـيخ! يعرفون أن مصر التي قتلت (إسـرائيل) أسـراها لم تُحرك ضدها أي دعوى قانونيـة ثأراً لهم، في حين أن محامين بريطانيين اسـتصدروا في الأسـبوع الماضي من محاكم لندن أمراً بالقبض على وزيرة الخارجيـة السـابقـة «ليفني» بسـبب عدوان حكومتها على غزة..
    يعرفون أن بضائع المسـتوطنات (الإسـرائيليـة) تُقاطع في بلدان أجنبيـة عدة في حين أنها تدخل مصر على الرحب والسـعـة.. يعرفون أن الأكاديميين في بلدان أخرى قطعوا علاقاتهم مع جامعات (إسـرائيل)، أما نحن فنفتح لهم أبواب مكتبـة الإسـكندريـة على مصاريعها.. ويعرفون أننا نمد (إسـرائيل) بالغاز بسـعر (الأوكازيون) بل نُخطط لزيادتـه بمقدار النصف في يوليو القادم، في حين تحتاجـه دول عربيـة بالسـعر التجاري، بل إن مصر ذاتها التي تجتاحها الآن أزمـة أنابيب الغاز هي التي في حاجـة إليـه قبل غيرها!!!
    وتسألون بعد كل ذلك: لماذا يكرهنا العرب!!؟؟
    الحق أن العرب لا يكرهون مصر، وإنما يمقتون نظامها وإعلامها الرسمي.. لقد عرفتهم منذ خمسين عاماً، وتجولت فى بلدانهم من طنجة إلى مسقط، فلم ألمس في المجمل إلا كل حب للمصريين ولمصر ذاتها التي يقصدها العرب للسياحة والتجارة والتعليم من عشرات السنين.. كانت مصر هي الموئل أيام الحكم الملكي وإثر قيام الثورة..
    الآن تغيّرت الدنيا.. لم يعد عرب الخمسينيات كعرب القرن الواحد والعشرين، في تلك الأيام كان العرب محتلين الآن أصبحت لهم دول وممالك بعضها أحياناً ما يُناطح مصر ليُثبت أنه هنا.. الآن أصبح لديهم بترول وثروات مكدسة.. الآن أصبحت لديهم مؤسسات راسخة وجامعات أفضل من جامعات مصر.. ومراكز طبية تفوق مستشفياتنا المهترئة، وأصبح لديهم كوادر وطنية راقية من الأطباء والمهندسين والعلماء.. باختصار هم يتقدمون ونحن انحدرنا.
    وفي ظل العولمة التي نعيشها والتواصل بالأقمار الصناعية و(الإنترنت) بدأ الجيل العربي الجديد، شأنه شأن الجيل المصري الجديد، يتجه إلى مراكز الإشعاع في الغرب، ومع تعدد وسائل النقل الحديثة ويُسر انتقال الأموال والبضائع تعددت وجهات العرب، السياح منهم الذين كانوا يتدفقون على مصر أصبح الكثير منهم يتجه إلى بريق دبي، وإلى صخب لبنان، وإلى شواطئ المتعة في تونس، وإلى المنتجعات المبهرة بعبق التاريخ في المغرب، وإلى تركيا "مهند" وأمريكا (أورلاندو)، وإلى جنوب أفريقيا وتايلاند، جاذبيـة مصر الأولى التي تكمن في آثارها لم تكن يوماً مغريـة للزوار العرب الذين كانوا يجدون دائماً متعتهم في طريقـة الحياة المصريـة..
    نعم هي تغريهم حتى الآن، ولكن مصر فقدت ميزة رخص الأسـعار، وأصبحت تُقلق السـياح بسـبب العنف والتلوث والتسـول، وتُزعج التجار والمسـتثمرين بالإجراءات الإداريـة المعقدة والفسـاد والرشـوة، وتُنفر الطلاب والمرضى الذين لم يعودوا يجدون فيها تعليماً أو تطبيباً!
    لا عرب اليوم هم عرب الأمس، ولا مصر اليوم هي مصر التي كانوا يعرفونها، وكنا نحن نعرفها.. والمصريون هم الآخرون تغيروا.. والأخطر من تغير طبائعهم هو تغير سياسات نظامهم؛ ففي حين كانت مصر هي التي دعت العرب لإقامـة جامعـة عربيـة في عهد الملك السـابق فاروق، نجد أن مصر الجمهوريـة تُعرض عن العرب منذ السـبعينيات وتتجـه بوصلتها إلى واشـنطن، وتؤمن بأن ٩٩٪ من أوراق الحرب والسـلام في يد أمريكا، وكذلك ٩٩٪ من فرص مسـتقبلها..
    ونجدها أيضاً تُطأطئ رأسها (لإسرائيل) كلما حدثت أزمة، سواء فيما يتعلق بالأسرى، أو بقتل جنودنا على الحدود، أو بهدم بيوتها في رفح. وكما أن سياسات النظام تغيّرت فقد تغير إعلامه، وأصبح طاحونة "للشرشحة والهلوسة"، كلما تحركت آلاتها فإنها تنضح بأسوأ ما في المصريين.. الاستعلاء والمنّ..
    واليوم، وهذه الطاحونة توشك أن تهدر مرة أخرى، يجب على العقلاء فينا أن يحذروا من أن نفكر بأقدامنا كما فعلنا عندما خطفت عقولنا مباريات الجزائر، التي يبدو أنها انتهت بسخرية (الفيفا) المرّة من الملف الذي قدمناه له، والأهم أنها انتهت بأزمة كان من الممكن تلافيها ليس مع الجزائر وحدها وإنما مع السودان أيضاً.
    أكاد اليوم أرى أزمة تطل، سوف تكون مع الشعوب العربية جميعاً، لا بد لتفاديها من صدور أمرٍ عالٍ بإيقاف طاحونة الإعلام قبل أن تبدأ في الطنين، وقبل ذلك وبعده استئصال الورم الخبيث من أساسه.. إيقاف بناء جدار العار!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري