الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

تساؤلات بشأن دوافع حادثة تكساس

  • في محاولة لفهم دوافع وخلفيات حادثة إطلاق النار في القاعدة العسكرية بولاية تكساس -حيث قام الضابط الأميركي الطبيب النفسي نضال مالك حسن بإطلاق النار على زملائه، مما أسفر عن مقتل 13 شخصا- هناك طريقتان لرؤية وتحليل الواقعة.
    الأولى تتعلق بتوصيف شكل السلوك وأدواته وكيفية وقوعه، والأخرى تتناول البحث عن دوافع هذا السلوك، بحسب الدكتورة نهلة الإبياري -استشارية الطب النفسي بالقاهرة-.
    تشير كافة عناصر الواقعة وكيفية تنفيذها -بحسب الإبياري- إلى أنها صناعة أميركية تماماً. فإطلاق النار عشوائياً على مجموعة أفراد تصادف وجودهم بمسرح الحدث لدى وقوعه تعبيراً عن غضب كامن، تكررت في حوادث مشابهة بالولايات المتحدة، وليس في غيرها.
    فقد فعلها بزملائه موظف بريد غاضب لفصله من العمل، وطلاب ثانوي بمدرسيهم وزملائهم، وطالب جامعي بزملائه بجامعة فرجينيا التي تخرج فيها نضال حسن في 1997، وهناك أمثلة أخرى. واستخدمت بكل هذه الوقائع أسلحة شخصية، وليس حزاماً ناسفة أو سيارة مفخخة.
    وكما فعل نضال حسن، اقترن في هذه الأحداث التخطيط لدى الإعداد بالعشوائية في استهداف الضحايا، حيث لم يوجه نضال ولا الآخرون رصاصهم لمسبب الغضب الحقيقي. ورغم محاولة البعض ربط الفعل بالتوجه الديني للفاعل ودفاعه عن العمليات الاستشهادية، لكنه لم يترك وصية مكتوبة أو يشرح قضيته بشريط فيديو ولم يفض بنواياه لأحد، كالاستشهاديين.
    تحليل الدوافع لا تزال المعلومات المتاحة شحيحة ومتضاربة ومتأثرة بالأجواء السياسية. وطرحت مزاعم لتفسير الدوافع، يشوبها مبالغات وتبريرات، كاعتبار الحادثة رد فعل على التحرش الديني بالفاعل، لكنه أطلق النار عشوائياً وليس باتجاه المتحرشين.
    وقيل إنه من خلايا القاعدة النائمة مع أنه كان يعبر عن معارضته للحرب ويدافع عن الاستشهاديين جهاراً بدلاً من التمويه والتحفظ. وقيل إنه كان مصاباً باضطراب كرب ما بعد الصدمة (PTSD) الثانوي، لكنه لم يمر بالصدمة أصلاً، ولا يعرفها إلا عبر شهادات مرضاه المصابين بها، ومن المستبعد جداً أن يتأثر بروايات المرضى طبيب نفسي برتبة رائد مؤهل وجيد الأداء، أي أنه خبير ومستقر نفسياً. ولا يمكن الزعم بأن مجرد مقته للذهاب إلى مناطق الحرب، وإخفاقه المتكرر بإنهاء خدمته العسكرية، يفسر دوافع فعله. تقول الإبياري إن الأكثر معقولية أن الرائد نضال حسن كان مصاباً بمرض نفسي كامن، وظل متماسكاً بدون ظهور أعراض ملحوظة، حتى جاءت لحظة الانهيار تحت ضغط تكليفه بالسفر لأفغانستان. وهذه حالة مرضية تشبه جبل جليد معظمه كامن تحت الماء، ولا تبدو منه إلا قمته.
    "مما يدل على المرض ترافق التخطيط مع العشوائية رغم تناقضهما. فقد قام بتوزيع مقتنياته قبل الحادث واشترى السلاح وهربه للقاعدة العسكرية، ثم أطلق النار عشوائياً"ومما يشير لكمون المرض وفق الإبياري مروره باختبارات نفسية قبل قبوله بالجيش وقبل الترقيات، لكنه نجح فيها جميعاً. ولم يتعرض لأي ضغوط هامة خلال حياته العسكرية حتى لحظة انهياره. فالمرحلة العسكرية من حياته شهدت أفضل إنجازاته العلمية وارتقائه المهني.
    وترى استشارية الطب النفسي أن مما يدل على المرض ترافق التخطيط مع العشوائية رغم تناقضهما. فقد قام بتوزيع مقتنياته قبل الحادث واشترى السلاح وهربه للقاعدة العسكرية، ثم أطلق النار عشوائياً.
    وتتساءل بماذا يفسر بلوغ رجل متدين وناجح مادياً ومستقيم سلوكياً 39 عاماً دون الارتباط بزوجة، رغم بساطة وتوافر مواصفاته المعلنة للزوجة، كما روى إمام المسجد، سوى أن لديه حواجز شعورية وأحوالا ذهنية تحول دون ارتباطه بعلاقات حميمة.
    وتشير تفاصيل اشتباكه مع الشرطة قبل سقوطه وتمكنهم منه لرغبة دفينة بالموت. ولأنه متدين لا يقتل نفسه بيده، فقد قام بأفعال تدعو آخرين (الشرطة) لقتله. ويشير لذلك عدم استسلامه للشرطة واستمراره في الاشتباك وإطلاق الرصاص استدعاء لردهم، حتى سقوطه بعد إصابته بأربع رصاصات قاتلة.
    في ضوء ذلك تخلص الإبياري إلى أن الرائد نضال حسن ربما كان مصاباً بأحد صور الپارانويا، أو اضطراب الارتياب والاضطهاد، مما يفسر تماسكه لسنوات طويلة خلال مسيرة إنجاز ونجاح، ثم خروجه على كافة المعايير عند الانهيار، لكن هذا المرض لا يعفي صاحبه من المسؤولية عن أفعاله ولو جزئياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري