الاثنين، 29 مارس 2010

بغـداد لم تعد كما هي

  • حرف بغدادية ضاعت وسط أجواء التوتر وتغيير هوية المدينة اختلفت أحوال بغداد التي صار عمرها 1250 عاما منذ بدأ الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور سنة 145 هجرية (منتصف القرن الثامن الميلادي) بناءها الذي استمر خمس سنوات وأنفق عليها نحو خمسة ملايين من الدراهم الذهبية.
    فقد صار سكانها الأصليون أقلية بعد تعرضها إلى 21 احتلالا، فطمست هويتها داخل تقاليد الوافدين وصارت كتل الكونكريت (الإسمنت المسلح) تغلق أبوابها مع غروب كل شمس.
    ويرى أستاذ التاريخ العربي في الجامعة المستنصرية أيمن عبد الغفور أن موقع بغداد "أغرى الجغرافيين القدامى وبدورهم أغروا الخليفة المنصور من أجل أن يحدها بدجلة والفرات، وهما حصنان يقيانها من الأعداء".
    ويقول عبد القادر الحاج رزوقي من حي الأعظمية إن بغداد تعني "المقام العراقي والجالغي البغدادي (فرق غنائية بغدادية) ولبس الجراوية (لف الكوفية على الرأس) واللهجة البغدادية المعروفة بارتفاع طبقات نطقها وجهورية صوت المتحدث".
    وأضاف "بغداد تعني البيوت المشيدة بالخشب والآجر تلك التي تخترقها فتحات الهواء (لبادكير) من كل جهة وتحتضن طقوس أهلها الخاصة في الزواج والخطبة والفرح والحزن.. تلك هي سمات بغداد التي اختفت".
    وتفرض كتل الكونكريت -التي تحيط بمعظم أحياء المدينة ببناء أفقي يمتد لنحو 45 كلم طولا ولنحو 50 كلم عرضا- جوا من الغموض على سكانها الذين يعدون سبعة ملايين وينتشرون على طرفي نهر دجلة كرخ (غرب) والرصافة (شرق).
    أحياء مغلقة
  • وقد أصبح نحو 90% من شوارع بغداد الداخلية مغلقا اليوم، وفقا لحسن عبد النور من سكان حي شارع فلسطين شرقي بغداد.
    يقول عبد النور "عندما أعود إلى البيت لا يمكن أن أسلك الشارع المؤدي إلى مسكني مباشرة بل يجب أن أدخل أولا من الشارع الرئيسي الوحيد الذي يسمح بالدخول والخروج منه إلى الحي.. وهذا حال كل أحياء بغداد".
    وتابع أن "العوارض الكونكريتية تغلق جميع الشوارع الداخلية ولا تبقي إلا شارعا للخروج والدخول وحتى هذا الشارع الوحيد يمر من نقطة عسكرية، وتقطع كل شارع من الشوارع الرئيسية في بغداد عشرات من نقاط التفتيش التي يحمل الجنود فيها أجهزة الفحص الإلكترونية للسيارات والمشاة".
    وأشار عبد النور إلى أن هذه الأجواء المغلقة أثرت على أصحاب الحرف البغدادية القديمة وفقدوا حماسهم "فضاعت تلك الحرف إلى الأبد جراء هذه الأجواء المتوترة".
    في حين رأى المحامي أسعد الشمري أن "بغداد لم تعد تحتفظ ببغدادياتها الموروثة، لم تعد مقاهي الزهاوي والبرلمان والشابندر وإبراهيم عرب وحسن عجمي تستقبل الرواد، ولم يعد هناك من يكترث للباس واللهجة وأسلوب الحياة البغدادية العريقة وصارت المدينة تتحدث بكلام هو هجين من بيئات العراق الأخرى".
    نمط الحياة البغدادية -بحسب الشمري- صار مجموعة من تماثيل الشمع في المتحف البغدادي تحملق بصمت في وجوه الزوار الذين لا يعرف أكثرهم شيئا عن تفاصيل حياة عاصمة العباسيين، وصارت المدينة مجبرة على النوم مبكرا لأن جدران الإسمنت التي تحيط بأحيائها تعرض الداخلين والخارجين معا إلى أسئلة طويلة وتخضعهم لتفتيش ممل، حسب قول الشمري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري