لا يزال الجدل مستمرا بين السعودية ومنظمات دولية لحقوق الإنسان على رأسها منظمة العفو الدولية بلندن، بشأن انتقادها لمسودة مشروع قانون سعودي لمكافحة "الإرهاب" وتمويله، حيث قالت المنظمة إن القانون الجديد سيقمع ما وصفتها بالأصوات المعارضة داخل المملكة، وهو ما ترفضه السلطات السعودية التي تؤكد أن المشروع الجديد سيساعد قوات الأمن السعودية في مواجهة "النشاط الإرهابي".
الرياض اكتفت بموقفين حتى الآن في التعامل مع هذا الملف، الأول حجب موقع العفو الدولية في السعودية، والثاني بيان وصف بشديد اللهجة لوزارة الخارجية عبر سفارتها في لندن يوم 23 يوليو/ تموز الجاري، أكدت فيه أن "بواعث قلق المنظمة حول مشروع القانون لا أساس لها بتاتا وأنها مجرد افتراضات من جانبها". وأضاف البيان "إن إشارة منظمة العفو الدولية إلى أن مشروع القانون سيتم استخدامه ضد ما يوصف بالمعارضة وليس ضد الإرهابيين هو أمر خاطئ".
مسودة القانون الذي يقع في 72 مادة تحت اسم (مشروع النظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله) وممهور بكلمتي "سري وعاجل" وصادر بتقرير من لجنة الشؤون الأمنية رقم 14 يوم 4/ 7/1432هـ، كما يحوي تقرير اللجنة مقارنة للمشروع بين النص الوارد من الحكومة ونص لجنة الشؤون الأمنية التي لم تضف سوى تعديلات طفيفة في الفقرات وفي الألفاظ الدارجة بين ثنايا المواد الواردة في مسودة المشروع.
واحتوت مسودة المشروع على خمسة فصول، ناقشت التعريفات الواردة في نصوص النظام وأحكام المشروع العامة والإجراءات الأمنية
الجديدة المتبعة، واختتمت بالعقوبات الواردة في النظام.
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية الدكتور أنور عشقي قال "لا ينبغي أن نأخذ الأمر بهذه الحساسية، فالمملكة من حقها إقرار هذا القانون لحماية أمنها الوطني المهدد بالأعمال الإرهابية منذ عام 1995 خاصة من قبل تنظيم القاعدة".
وانتقد عشقي من يقارن مشروع النظام الأمني الجديد بقانون الطوارئ المعمول به في أكثر دول العالم، وقال "من خلفيتي الأمنية كلواء عسكري سابق أقول إن السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لديها قانون طوارئ"، وأضاف "النظام الجزائي سيكون قيدا على الإرهابيين فقط، وليس لتقييد حرية الرأي أو أصحاب الآراء السلمية الوطنية"، كما طالب عشقي الجهات المنتقدة بعدم الاستعجال بنقد النظام، قبل الاطلاع على اللائحة التفسيرية التي ستوضح كل شيء من نصوص النظام المرتقب.
بينما كانت هناك رؤية مختلفة لمحام وحقوقي سعودي فضل عدم ذكر اسمه للجزيرة نت أشار فيها إلى أن مضمون مواد المشروع "ستقنن
الخروقات الحالية لنظام الإجراءات الجزائية في التعامل مع الموقوفين".
ويبدو أن احتجاجات منظمة العفو انتقلت للداخل السعودي، حيث جاء أول بيان حقوقي عن المشروع من قبل الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، طالب الحكومة بالتروي في إصدار هذا النظام ومراجعة مواده بشكل دقيق وصياغتها بما يحول دون إساءة تفسيرها أو تطبيقها وبخاصة تلك المواد التي تمس حقوق الأفراد وحرياتهم أو تمس دور القضاء واستقلاله.
وأكد بيان الجمعية على ألا تكون الحوادث الإرهابية -التي عانت منها المملكة وتجاوزتها- دافعا لتشريع أنظمة قد تؤثر سلبا على العلاقة ذات الطبيعة الخاصة التي تربط القيادة في المملكة بمواطنيها من خلال إعطاء صلاحيات مطلقة لبعض الأجهزة الحكومية التي قد تتسبب مباشرتها لها في انتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم وتتعارض مع الأنظمة العدلية في المملكة.
في حين كانت وسائط الاتصال والمجموعات البريدية وسيلة أخرى من التعبير، حيث تناقلت تلك المجموعات مسودة المشروع بشكل كبير، وكان أشهرها مقال نشر على شبكة الإنترنت تناول القضية بعنوان (مشروع قانون الإرهاب السعودي الجديد: لا تفعلها يا وطني).
وجاء في المقال "لقد كرس المشروع سياسة التجريم المفتوحة أصلا في السعودية وفتح باب العقوبات على مصراعيه، وجاء ليتركنا في حالة قلقة أمام مصطلحات فضفاضة وعائمة مثل الإخلال بالنظام العام للدولة وزعزعة المجتمع وتعطيل النظام الأساسي للحكم، ثم ختمها بقوله وكل ما من شأنه إيجاد الأسس الفكرية والعقدية لهذه الجرائم".
وأضاف المقال "يا إلهي ستؤدي هذه العمومية في المصطلح إلى إصدار العقوبات في حق الأفراد بشكل واسع، وقد يخضع الفرد للعقاب والتجريم على تهم هزيلة مجردة من كل معاني العدالة".
وتعد أهم بنود النظام المرتقب المادة الثامنة التي تشير إلى حق جهة التحقيق في توقيف المتهم في الجريمة الإرهابية لعام كامل، وتشير المادة التاسعة إلى حق جهة التحقيق أن تأمر بمنع الاتصال بالمتهم مدة لا تزيد على 120 يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، وإذا تطلب التحقيق مدة أطول يرفع الأمر إلى المحكمة الجزائية المختصة لتقرر ما تراه.
كما تعطي المادة الثامنة عشرة الحق في الاطلاع على الحسابات المصرفية السرية، وتعطي المادة الثانية والعشرون من مسودة القانون الإذن لوزير الداخلية أو من يفوضه في دخول المساكن والمكاتب لتفتيشها والقبض على الأشخاص لأي تهمة تتعلق بجريمة إرهابية أو تمويلها في أي وقت خلال المدة المحددة للتفتيش، وفي حالة الضرورة لا يلزم الحصول على إذن للقيام بذلك.
أما المادة الثلاثون في فصل العقوبات فتشير إلى السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات لكل من أصدر كتابة أو مشافهة بيانا تكفيريا أو بيانا يؤدي إلى الإخلال بالأمن العام للبلاد أو زعزعة الاستقرار فيها أو يحرض على هدر الأموال أو الدماء أو الأعراض المعصومة، وتصل العقوبة إلى السجن خمسة وعشرين عاما أو المعاقبة بالقتل في بعض الحالات الموضحة في النظام.
تعليق
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري