الأحد، 15 نوفمبر 2009

شاعر الرسول ) ص ( عبد الله بن رواحة

  • اسمه وكنيته
    هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، ويكنى أبا محمد. وأمه كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة من بني الحارث بن الخزرج أيضًا.
    حاله في الجاهلية
    كان ابن رواحة كاتبًا في بيئة لا عهد لها بالكتابة إلا يسيرًا، وكان شاعرًا، ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبًا قويًّا. ومنذ أسلم وضع مقدرته الشعرية في خدمة الإسلام.
    إسلامه
    أسلم عبد الله بن رواحة على يد الداعية العظيم مصعب بن عُمير ، وعندما هاجر الرسول الكريم إلى المدينة المنوّرة، صار سيدنا عبد الله بن رواحة شاعر الرسول ، يلازمه، ويمدحه، ويشيد بالإسلام ومبادئه السامية، ويردُّ على شعراء المشركين، وكان يدعو إلى الله تعالى بكل ما أوتي من قوة. وبايع الرسول في بيعة العقبة الأولى والثانية، وكان واحدًا من النقباء الذين اختارهم الرسول الكريم .
    أثر الرسول في تربيته
    لقد كان لتربية الرسول أثرٌ واضح وملموس في حياته، فإذا أمره سارع ونفذ، وإذا نهاه عن أمر اجتنبه وتركه؛ فروي أن عبد الله بن رواحة أتى النبي وهو يخطب فسمعه يقول: "اجلسوا". فجلس مكانه خارجًا من المسجد حتى فرغ النبي من خطبته، فبلغ ذلك النبي فقال له: "زادك الله حرصًا على طواعية الله وطواعية رسوله".
    وكان النبي لا يترك موقفًا أو حدثًا يمر على أصحابه دون أن يربِّيهم أو يعلّمهم؛ فيقول ابن عباس: بعث النبي عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع رسول الله ثم ألحقهم. فلما صلى مع النبي رآه، فقال: "ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟" قال: أردتُ أن أصلي معك ثم ألحقهم. فقال: "لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما أدركت فضل غدوتهم".
    أهم ملامح شخصيته
    كان عبد الله بن رواحة ممن أنعم الله عليهم بالجهاد بالسيف واللسان، فهو الذي جاهد مع النبي في بدر وأُحد، وحفر الخندق مع الصحابة، وبايع بيعة الرضوان، وكان أحد القُوَّاد الثلاثة في غزوة مؤتة التي استشهد فيها. وكما جاهد بسيفه جاهد بلسانه، فكان شِعْرُهُ سيفًا مصلتًا على رقاب المشركين، ولا يقل أهمية عن السيف في المعركة. وكان يحمل سيفه وشعره في كل الغزوات، فكان يقول:
    خلُّوا بني الكفار عن سبيله *** خلوا فكل الخير في رسوله
    وكان عبد الله بن رواحة صوّامًا قوامًا؛ يقول أبو الدرداء : "خرجنا مع رسول الله في بعض غزواته في حر شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه أو كفه على رأسه من شدة الحر، ما فينا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة ".
    وتزوج رجل امرأة عبد الله بن رواحة فسألها عن صنيعه، فقالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين، وإذا دخل بيته صلى ركعتين، لا يدع ذلك.
    وكان عادلاً ورعًا ذا أمانة يخاف الله ويتقه؛ فعن سليمان بن يسار أن رسول الله كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر، فيخرص
    [1] بينه وبين يهود خيبر. قال: فجمعوا له حليًّا من حلي نسائهم، فقالوا له: هذا لك، وخفِّف عنا وتجاوز في القسم. فقال عبد الله بن رواحة : "يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليَّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأَمَّا ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت، وإنَّا لا نأكلها". فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.
    بعض المواقف من حياته مع الرسول
    كان لعبد الله بن رواحة مواقف جمَّة مع النبي ؛ ففي ليلة العقبة قال عبد الله بن رواحة لرسول الله : اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم".
    قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟
    قال: "الجنة".

    قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل. فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الآية.
    وأخبر عبادة بن الصامت ، أن رسول الله عاد
    [2] عبد الله بن رواحة قال: فما تَحَوَّزَ (تنحَّى) له عن فراشه، فقال: "أتدرون مَنْ شُهداء أمتي؟" قالوا: قتْل المسلم شهادةٌ. قال: "إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ؛ قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ، وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ، وَالْبَطْنُ وَالْغَرَقُ، وَالْمَرْأَةُ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا جَمْعَاءَ".
    بعض المواقف من حياته مع الصحابة
    يقول أبو الدرداء : أعوذ بالله أن يأتي عليَّ يومٌ لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة ، كان إذا لقيني مقبلاً ضربَ بين ثدييّ، وإذا لقيني مدبرًا ضربَ بين كتفيّ، ثم يقول: "يا عُويمر، اجلس فلنؤمن ساعة". فنجلس فنذكر الله ما شاء، ثم يقول: "يا عويمر، هذه مجالس الإيمان".
    ولما كان يوم بدر وانتصر المسلمون وأُسر المشركون، شاور الرسول الله أصحابه في شأن هؤلاء الأسرى، فقال: "ما تقولون في هؤلاء الأُسارى؟" فقال أبو بكر : يا رسول الله، قومك وأهلك استبقهم واستتبهم؛ لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله، أنت في وادٍ كثير الحطب، أضرم الوادي عليهم نارًا ثم ألقهم فيه. قال: فسكت رسول الله فلم يرد عليهم شيئًا، ثم قام فدخل، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر. وقال ناس: يأخذ بقول عمر. وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة.
    أثره في الآخرين
    كان لعبد الله بن رواحة أثرٌ واضح في الآخرين؛ فعن أنس قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله قال: "تعالَ نؤمن بربنا ساعة". فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل فجاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي : "يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة".
    وكان له الأثر الواضح في إسلام أبي الدرداء ، إذ كان أخًا لأبي الدرداء في الجاهلية، وكان أبو الدرداء متعلقًا بصنم له، وكان عبد الله بن رواحة يدعوه إلى الإسلام، فيأبى، فجاءه عبد الله بن رواحة ذات يوم، ولم يكن أبو الدرداء بالبيت، فأخذ قَدُومًا فجعل يضرب صنم أبي الدرداء وهو يرتجز:
    ألا كل ما يُدعى مع الله باطل
    وجاء أبو الدرداء فأخبرته امرأته بما صنع عبد الله بن رواحة ، ففكَّر في نفسه، فقال: لو كان عند هذا خير لدفع عن نفسه. فانطلق حتى أتى رسول الله صومعة عبد الله بن رواحة ، فأسلم.
    بعض كلماته
    يقول عبد الله بن رواحة وهو يأخذ بخطام ناقة النبي في عمرة القضاء:
    خلُّوا بني الكفار عن سبيله *** خلوا فكل الخير مع رسوله
    نحن ضربناكم على تأويله *** كما ضربناكم على تنزيلـه
    ضربًا يزيل الهام عن مقيله *** ويذهل الخليل عن خليلـه

    وكان النبي يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة :
    والله لولا الله مـا اهتدينا *** ولا تصدقنـا ولا صلينـا
    فأنزلن سكينـة علينـا *** وثبت الأقـدام إن لاقينـا
    إن الأُلَى قد بغـوا علينـا *** وإن أرادوا فتنـة أبينـا
    موقف الوفاة
    استشهد في غزوة مُؤْتة، وكان أحد قُوَّادها، ودُفن في بلدة مؤتة إلى الجنوب من مدينة الكرك، وذلك في العام الثامن للهجرة.
    [1] الخَرْصُ: حرز ما على النخل من الرطب تمرًا.
    [2] عاد المريض: إذا زاره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري