قبل عشرة أيام فقط من أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير استعاد ميدان التحرير قدرا لافتا من الحراك السياسي والجماهيري، مذكرا بما كانت عليه الأوضاع قبل سقوط نظام الحرامي المخلوع حسني الا مبارك في 11 فبراير/شباط الماضي.
ويبدو أن الأطراف المختلفة بشأن دستور مصر المقبل اختارت دخول لعبة "عض الأصابع", وهي لعبة تنذر بخطر بالغ مع اقتراب موعد الانتخابات وفي ظل أوضاع أمنية واقتصادية تؤشر على التهاب الموقف.
ومن أبرز عناصر هذا المشهد الملتهب أن العديد من القوى السياسية ومرشحي الرئاسة المحتملين اختاروا الاحتكام مجددا إلى الشارع فيما عرف بـ"جمعة حماية الديمقراطية"، ردا على ما اعتبروه تعديلات غير مرضية لوثيقة "المبادئ فوق الدستورية" التي تعرف باسم "وثيقة السلمي" نسبة إلى علي السلمي نائب رئيس الوزراء.
وربما تفتح هذه المليونية التي تختلف عن سابقتها من حيث الحشد والأسباب واتفاق معظم القوى السياسية عليها سواء أكانت إسلامية أم ليبرالية, تفتح الباب واسعا لمزيد من المليونيات في ظل حالة انسداد للأفق السياسي تتزامن مع توترات اجتماعية وأمنية واقتصادية.
أما المشكلة الأبرز فتمثلت بالمعايير التي وضعتها الوثيقة لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستتولى وضع الدستور، والتي تشير إلى صلاحيات واسعة للمجلس العسكري باختيار الأعضاء، فضلا عن حق "المجلس الأعلى للقوات المسلحة بما له من سلطات رئيس الجمهورية بالمرحلة الانتقالية أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر بهذه النصوص".
كما أن "للمجلس بما له من سلطات رئيس الجمهورية تشكيل جمعية تأسيسية جديدة وفقا للمعايير المتوافق عليها لإعداد مشروع الدستور".
ولم يقتصر صدام حكومة عصام شرف والمجلس العسكري مع القوى السياسية بشأن الوثيقة, إنما وصل الأمر إلى الجماعة الصحفية التي أكدت بحسب بيان لنقابة الصحفيين أن "الوثيقة تمكن الحكام من إصدار قوانين تكفل الرقابة على وسائل الإعلام ومصادرتها وتعطيلها".
وترد القوى الليبرالية والعلمانية على ذلك بأن أغلبية الناخبين صوتوا للاستقرار وعودة الأمن بعد مبارك، ولم يكن واردا في أذهانهم بشكل كبير إمكانية أن يهيمن الإسلاميون على وضع الدستور الجديد للبلاد.
الآلاف من أمناء الشرطة دخلوا دائرة الاعتصامات والمطالب الفئوية |
هذا التطور يفتح الباب لاقتراض طالما ألحّ عليه صندوق النقد الدولي في محاولة لفرض أجندة إصلاح ترتبها دوائر المال الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا، لا تراعي الفقراء ومحدودي الدخل، بما ينذر بانفجار اجتماعي جديد.
وعلى خلفية هذه الأزمة تبدو المطالب الفئوية المتزايدة لقطاعات عمالية عديدة تعرضت للظلم والتهميش في عهد مبارك ووجدت الشارع ساحة مناسبة لانتزاع حقوقها, الأمر الذي عطل عجلة الإنتاج, ووضع حكومة شرف والمجلس العسكري أمام تحد بالغ الصعوبة في ظل نقص الموارد.
وإذا كان المشهد السياسي يبدو أكثر التباسا والتهابا قبيل الانتخابات البرلمانية, فإن الأمور تبدو أكثر تعقيدا مع طول الفترة الانتقالية والغموض بشأن الانتخابات الرئاسية، وسط مخاوف عبرت عنها قوى سياسية متعددة من بقاء المجلس العسكري في الحكم.
كل هذه التطورات جعلت من مليونية جمعة "حماية الديمقراطية" وغيرها من الاحتجاجات ضرورة بنظر قوى سياسية مختلفة, كما بدت أكثر إلحاحا على وقع ضغوط أمنية واقتصادية يعاني منها الشارع الذي يترقب لحظة الاستقرار.
فهل تعود ثورة مصر إلى مربع متأخر, على طريقة "خطوة للأمام.. خطوتان إلى الخلف"؟ الإجابة تحددها المليونيات المقبلة والمتوقعة، والنتيجة التي ستصل إليها معركة "عض الأصابع" بشأن دستور مصر القادم إزاء مدنية الدولة.
تعليق
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري