قبل تسعة أشهر وبعد 18 يوما من اندلاع الثورة المصرية, هاجت الجموع التي كانت تحتل ميدان التحرير وسط القاهرة ابتهاجا بإعلان الجيش تنحي الرئيس السابق الحرامي المخلوع حسني الا مبارك بعد 30 عاما من الحكم الاستبدادي.
لكن ها هي نفس الجماهير -وإن بأعداد أقل بكثير- تصب جام غضبها على الجيش, وتطالبه بتسليم زمام الأمور للمدنيين, فما الذي دفعها لذلك؟ وهل بدأت الثورة المصرية تعيد نفسها؟ وهل سيؤدي ذلك لتأجيل الانتخابات؟
هذا ما بدأت بعض الصحف البريطانية والأميركية تطرحه بعد ما شهده ميدان التحرير من مواجهات بين محتجين من جهة وقوات الأمن والجيش المصريين من جهة أخرى أمس الأحد، مما خلف عددا من القتلى والجرحى.
ويلخص المحتج أحمد هاني مطالب جموع محتلي ميدان التحرير قائلا "لدينا مطلب واحد وهو أن يتنحى طنطاوي، وأن يحل مجلس مدني مكان المجلس العسكري", مضيفا أن "العنف الذي استخدم أمس يؤكد أن الحرامي مبارك لا يزال في السلطة".
ولهذا يقول الباحث السياسي محمود طرق لصحيفة غارديان البريطانية "لن نبرح مكاننا حتى نموت أو يموت الحكم العسكري", مضيفا أن "القناع قد سقط".
وبعد أن استخدمت قوات الأمن طيلة ما يقارب 36 ساعة من الاشتباكات مع المتظاهرين الغاز المدمع والرصاص المطاطي، وبعد أن واجهها المتظاهرون بقنابل المولوتوف والحجارة والهتافات المنادية بالحرية وبسقوط النظام, ها هي مجلة تايم تنذر بأن الثورة التي بدأت يوم 25 يناير/كانون الثاني الماضي بدأت من جديد.
ويأتي هذا التفجر الدرامي للأوضاع في مصر قبل أقل من عشرة أيام من تنظيم أول انتخابات برلمانية ديمقراطية تشهدها مصر منذ الإطاحة بالحرامي حسني مبارك, تلك الانتخابات التي توقعت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن تُتابع عن كثب في كل أنحاء العالم, إذ يُنظر إليها على أنها اختبار حاسم لآمال التحول الديمقراطي الذي أثاره الربيع العربي.
التأجيل
وأمام الجيش -حسب صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية- أمران أحلاهما مر، فإما أن يؤجل الانتخابات ويواجه غضب السياسيين وبعض المتظاهرين، أو يجريها في ظل ظروف غير مستقرة.
فتأجيل الانتخابات محرج بالنسبة لقيادة المجلس العسكري التي توعدت بتسليم السلطة للمدنيين في غضون ستة أشهر، وقامت بتأجيلها عن تاريخها الأصلي في سبتمبر/أيلول, هذا في الوقت الذي يرى فيه العديد من المصريين أن الجيش وصل به حب التشبث بالحكم درجة إذكاء انعدام الأمن ليؤجل الانتخابات.
بل إن التأجيل ربما يؤدي لاحتجاجات أشد, خصوصا أن جماعة الاخوان المسلمين حذرت من أنها لن تقبل به، وقالت في بيان لها "إن شعبنا الواعي ونحن معه لن نسمح بإلغاء أو تأجيل الانتخابات مهما كان الثمن، لأن ذلك يعد انقلابا على الثورة والحرية والديمقراطية".
فهذا الإحراج وتلك الضغوط هي التي دفعت الجيش إلى التأكيد على أن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد بـ28 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، متجاهلا بذلك ما دب من مخاوف من أن اشتباكات بين الشرطة والمحتجين قد تعرقل العملية السياسية.
ورغم ذلك تنقل فايننشال تايمز عن المحلل السياسي عز الدين شكري فيشر قوله "هناك احتمال كبير بأن تؤجل الانتخابات"، مضيفا أن "هناك توترا بين اللاعبين السياسيين الأساسيين"، ومعتبرا أن "العنف الحالي ما هو إلا انعكاس للفشل في التعامل مع المرحلة الانتقالية من قبل المجلس العسكري، والسياسيين، وحتى الشباب الذين أطلقوا الثورة".
وثمة من يرى أن ما حدث في اليومين الأخيرين ليس سوى بداية لما هو أعظم, فها هي صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تنقل عن الطبيب الجراح طارق سلامة المتطوع في المستشفى الميداني بميدان التحرير قوله إن "التخلص من مبارك كان مجرد إحماء, وهذه هي المواجهة الحقيقية".
تعليق
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري