كما أن هناك أصواتاً تترافع عن المطلقات ، وتدافع عنهن بكل الحجج ، وتظهرهن في عالم من المثالية ، وتصورهن الحلقة الأضعف في المعادلة الزوجية ، فإن هناك أصوات نسائية تعترف أمام الملأ وتتحدث بكل تجرد ، تحمل المرأة مسؤولية قرار الطلاق ، وأنها وحدها التي تختار مقعدها في عالم المطلقات وتقلد نفسها هذا اللقب.
فصول منسية
د. منار تسرد لنا قصتها الواقعية ، التي تعكس الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في إرساء قواعد الحياة الزوجية ،
وحماية أركانها من التصدع والانهيار
وتضع أمام شابات اليوم تجربة حية منتزعة من حياة المجتمع الواقعية ، عاشت تفاصيلها بنفسها وترويها كما هي بالألوان الطبيعية ،
إذ تقول:
نشأت في أسرة محافظة ميسورة الحال ، وأهلي ذوو حسب ونسب
وعندما تقدم رجل لخطبتي وتم الاتفاق وتحدد موعد الزواج
كان من بين طلباتي التي لم يتردد في الموافقة عليها أن أكمل دراستي إلى أن يشاء الله ،
وكنت وقتها طالبة في المرحلة الثانوية ،
ولا أخفي أنه من عائلة كريمة ومعروفة ، ويتمتع بكل الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة التي تتمناها كل زوجة في زوجها ،
فغمرني بحبه وحنانه ، ولم أشعر يوماً أنني افتقدت شيئاً بعد أن غادرت منزل أسرتي ،
ولم أحس يوماً بعد الزواج أنني محرومة مما يجب ألا أحرم منه
وساعدني زوجي في دراستي بالتخفيف من أعباء المنزل
خاصة أيام الدراسة
فكان يقضي الكثير من جهده ووقته لإيصالي إلى المدرسة أو إحضاري منها ، وكذلك فعل في المرحلة الجامعية ،
ووفر لي كل وسائل الراحة ، وجعلني أتفرغ للدراسة
حتى وقت الأطفال
ووقت الزوج كانوا ينتزعونه من بين براثن الكتب ، والمجلدات والمراجع العلمية.
غلطة الشاطر
تواصل ((منار)) حديثها بألم شديد وهي تعود إلى الماضي ، لاسترجاع هذه الفصول المرة ،
وتقول : للأسف كان اهتمامي بالتحصيل العلمي على حساب زوجي ، وأبنائي برغم أن زوجي ساعدني في إكمال الجامعة
والحصول على الماجستير والدكتوراه باعتبار أن ذلك حق طبيعي ، لكنني وللأسف الشديد
وهنا تخنقها العبرة وكأنها تذكر عزيزاً لديها رحل إلى الدار الآخرة ، قد أخطأت خطأ العمر
وغلطت غلطة الشاطر كما يقولون
ولم أحسبها ((صح)) بل أغراني وصفي العلمي أن أحس بشيء من الأنفة والكبرياء أمام زوجي
وهذا كان يجعل عبء الأطفال يقع على عاتقه ،
بالإضافة إلى الأعباء الأخرى التي يقوم بها كرب أسرة ،
لكنه كان طيباً وصبوراً يقوم بامتصاص كل ذلك حفاظاً على تثبيت أركان عش الزوجية الذي بدأ يتهاوى دون أن أشعر بذلك ، أو ألقي له بالاً .
بصراحة صبر زوجي كثيراً أمام الضغوط التي كان يواجهها في سبيل أن يمخر مركبنا في عباب الحياة الزوجية دون التعرض للرياح الهوجاء والأمواج العاتية ،
وربما كان في أسلوبي تعالياً عليه ، لم أكن أتعمده ، ولا يتوقعه هو
حصولي على درجة الدكتوراه جعلني أحس بأني ذات وضع خاص
وصرت أتعامل مع طبقة من المثقفات والمثقفين والأكاديميين ،
وربما يكون هذا قد أخذني بعيداً عن زوجي الذي لم يكن يحمل أكثر من الشهادة الجامعية حيث شغلته أعماله الخاصة عن مواصلة التعليم العالي الأطفال هم بدورهم كانوا ضحايا هذه الشهادات المشئومة
التي أفقدتني حياة الاستقرار وجعلتني أقضي حياتي نادمة على كل دقيقة قضيتها فيها ،
أفتقد الأبناء حناني وهم بطبيعة الحال يفتقدون الأب معظم الأوقات
ـ حسب طبيعة عمله ـ
فعاشوا محرومين من حنان الأبوين رغم وجود أبويهم معهم ،
ورغم الحياة المعيشية الميسورة التي أتيحت لهم .
ضحايا الإهمال
كان أبوهم يناقشني كثيراً بما آل إليه وضعنا كأسرة لها مكانتها وأصلها ويلفت نظري بالحالة النفسية للأطفال ،
ويحملني مسؤولية التصدع الذي باتت ملامحه تظهر على شكل أسرتنا الصغيرة ،
وبدأت المشاكل تدب في حياتنا الزوجية ،
فهو يتهمني بالتقصير والغفلة والانشغال بمسائل العلوم والبحوث والمشاركة في المؤتمرات والندوات وورش العمل
والتضحية بالأطفال وراحة الزوج .
وكان دفاعي عن نفسي لا يعدو أن يكون صياحاً في وجه زوجي بلهجة لا تخلو من التعالي والكبرياء والشعور بالمكانة الخاصة ،
وفي ذات الوقت كنت احتج لديه أن يراعي مشاغلي ووضعي ومسؤولياتي خارج المنزل ،
وكان يرصد كل حالات الخلافات والجدل ويسجل تاريخها والحجج التي كنت أسوقها ،
وذات مرة حدث بيننا خلاف عميق تعالت على أثره الصيحات وارتفعت الأصوات ،
وأظن ذلك كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، فقام بنقل تفاصيل ملف الخلافات منذ بدايتها إلى أهلي ،
وأخبرهم كيف أنني تعاليت عليه ، و أهملت بيتي وأطفالي وكيف أنه صبر على ذلك حفاظاً على كيان الأسرة ،
واحتراماً لأهلي وتقديراً لهم ، وكذلك إنقاذاً لمستقبل الأطفال الصغار الذين تأثروا بشكل مباشر بما يجري في بيتنا
ولم أكن أتوقع أن ذلك الإنسان الطيب القلب الحنون العطوف يتخذ تلك القرارات الصعبة والحاسمة
حيث ظننت أنه سيكون رهن إشارتي على الدوام ،
وأن حبنا لبعضنا ووجود أطفال بيننا سيشفع لي معه مهما بدرت مني من أخطاء
لكنه كان أقوى مما تصورت
ويبدوا أن الغضب قد بلغ به مبلغه ، وأن الصبر قد نفذ عنده ، وأن الحلم بدأ يتضاءل ، فبعد أن وضع أهلي في صورة الأمر الواقع ،
وجعلهم يطلعون على ملفي بالتفاصيل الدقيقة التي لا أستطيع إنكار أي جزء منها
طلقني وتزوج من فتاة أخرى ،
فعدت إلى منزل أبي أجر أذيال الخيبة وأتجرع الحسرة والندامة والألم ، هذا البيت الذي رباني صغيرة وعشت فيه معززة مكرمة ،
وخرجت منه إلى منزل الزوجية بكل شرف ووسط فرحة الأهل والأحباب في ابتهاج عائلي
عدت إليه حزينة ووجدته واجماً ، حزيناً ليس بسبب عودتي إليه بل لفداحة خطأي وعودتي إليه بعد عدة سنوات ،
وفي معيتي صغاري الذين لا يدركون لماذا جئت ومتى سأعود ، وما المستقبل الذي ينتظرهم ،
خرجت من بيت أبي إلى فضاء الحياة الزوجية وسط هالة من كرنفالات الفرح ، ووسط زغاريد الفرح وأهازيج البهجة والمسرة ،
لكنني عدت حزينة باكية تركت من ورائي بيتاً منهاراً كنت أنا السبب في خرابه ، وأمامي أطفال حائرون ،
فأنا المسئولة عن مصيرهم وعن ما يحدث لهم ،
وبالتأكيد سيتأثر هؤلاء الصغار الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أبنائي سيتأثرون بافرازات هذا الانفصال على المستوى النفسي والتربوي ،
وحتى التنشئة لن تكون حياتهم كما كانت في بيت يضم الأب والأم وتتوفر فيه كل وسائل الحياة الكريمة ، ومن الذي حرمهم من ذلك ؟!
وهنا تزرف دموع الندم وتجيب على نفسها :
بالطبع أنا وأنا الآن أنادي
((خذوا شهاداتي وأعيدوني لبيت الزوجية))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري