الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

عودة إلى الوراء

جرت العادة أنه حين تعود بذاكرتك إلى الوراء فتتذكر أزمة مررت بها إذا بك تحاول أن تدفع بهذه الذكرى إلى مكان خفي في عقلك لتعجز ن إستحضارها مرة أخرى كي لا تنغص عليك حياتك. آخرون يجلسون يتأملون ذكرياتهم القديمة ولكن ليس من أجل الإستفادة إنما إجترارا للغم أو إستكمالا لطريق الإكتئاب الذي يسير فيه فيرثى إلى حاله ليغرق نفسه في أحزانه ولو كانت قد مضت ليضع نفسه في قالب الضحية فتكون بمثابة حجة يبرر بها لنفسه عجزه عن الوصول إلى طريق السعادة.
ولكن ذكرياتنا خاصة المؤلم منها هي مخزون غاية في الأهمية لأنها تعلمنا أين كنا وكيف كنا وإلام أصبحنا. إنها أحداث هامة لأنها المعلومات التي نستطيع أن نحللها لنفهم منها سنن الله في الأرض وحذفها من حياتنا يحرمنا من هذا الفهم ويجعلنا نسير في الأرض نتخبط على غير هدى لا نعلم أي طريق نختار من بين آلاف الطرق وإذا إخترناه ما هو المطلوب منا وما هو غير المطلوب حتى لا نشغل أنفسنا به ولا نضيع وقتنا وطاقتنا في التعامل معه.
إذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك فيجب أن يكون لديك مقياسا واسعا تزن به الأحداث وكيفية تتابعها حتى ترى العمل ونتيجته. إنك إن راجعت ذكرياتك ومعاناتك وكيف مرت وقمت بربط الأحداث ببعضها ستكتشف نعم الله عليك وتكتشف أن سنن الله قد تتابعت فيك وأنت لا تدري فتتعلم كيف تكون أكثر نضجا وأنت تتعامل مع ما يتبع من أحداث لأنك كلما مررت بأزمة تعرف أفعال الله بعباده ومنه تعرف ما هو مطلوب منك أن تفعله بالتحديد أثناء مرحلة الأزمة.
مقارنتك لحالك في الماضي وحالك الآن يجعلك تشعر بنعمة الله عليك فإن النعم تدخل على العبد ومعها إبتلاء فينشغل العبد بالإبتلاء وينسى أن الله قد أنعم عليه بأكثر من نعمة في نفس الوقت، مما يجعله حزين ومغمور بشعور أنه مظلوم في الدنيا ولو نظر إلى نفسه لوجد نعم الله وقد أغرقته.
ترك الأحداث تمر دون تفكر والتركيز على ما يجب أن يكون في المستقبل أمر قد يجعلك في حالة إحتياج دائم وتطلع وعدم رضا لأنك لا تتوقف وتنظر وراءك فترى ماذا حدث وماذا أخذت وكيف أعطاك الله وما فعلت به.
إدراكك لنعم الله بشكل واضح بعد مراجعتك المتأنية للأحداث يجعلك شاكرا لله لأنك تلمست نعمه سبحانه وكيف أنعم عليك بها من بعد ضراء مستك. أما أن تتلقى النعم دون أن تتفكر بها ودون أن تعود بذاكرتك لتعرف ما أُهديت من رب العالمين أمر قد يدفع بك إلى كفر النعم والإنشغال بها عن شكر من أهداك إياها. كما أن الشيطان لن يتركك وسيدخل عليك من عدة مواضع ليضيع عليك جزاء الشاكرين والزيادة التي ينعم الله بها عليهم.
من الحيل التي يستخدمها معك الشيطان، إذا تجاهلت التفكر والنظر وراءك ولو للحظات قليلة لتتعلم ما فعله الله معك، أن يجعلك تتوحد مع فكرة أن ذكاءك هو الذي أدى بك إلى هذه النتائج أو أنك رجل "مبخت" وسعيد الحظ والحجر يتحول في يدك ذهبا أو أنه ببساطة التطور الطبيعي لمجهودك. حينها تنسى أن هناك مجتهدون وأذكياء لا يصلون إلى ما وصلت إيله . وبما أن شكر الله على نعمة يتضمن أن تعترف أنها من عند الله أولا ثم تستخدمها في الحلال وأخيرا أن تخرج منها جزء لله، وقتها سيكون من الصعب عليك أن تفي بأي من هذه المراحل لشكر نعم الله عليك.
عودتك إلى الوراء تجعلك تتذكر أنك دعوت يوما وأن ما حدث لاحقا هو إستجابة الله لك. ومن مكائد الشيطان أيضا أنه يحاول بكل السبل منعك من إدراك حقيقة أن الله استجاب لك سواء بأن يدخل الشك في نفسك أن ما حدث مجرد صدفة وليس إستجابة للدعاء أو أن يحاول منعك من التفكر في هذا الأمر من الأصل، لأن الشيطان يعرف جيدا أنك إذا استطعت أن تربط بين الدعاء وبين إستجابته فقد وضعت قدمك على أول طريق إيمانك الحق بالله والقرب منه لأنك وجدت رد فعل لدعاءك وهو ما يقبتك ويزرع اليقين في قلبك.
إسترجاعك للأحداث يعطيك شعورا بالأمان لأنك تكتشف أن مراحل كثيرة مرت بك جعلتك تتوقع الأسوء ثم قدر الله سبحانه أن تنتهي على أفضل مما تصورت فتعلم حين تأتي أزمة ثانية أن الله لن يضيعك وتتعلم أن تبقى متشبثا بيقينك به سبحانه بدلا من أن تضيع وقتك في خوف وهواجس لا معنى لها إلا أنك فقدت السند الذي تستطيع به أن تمشي في الأرض مطمئنا بالله.
العودة إلى الوراء يعرفك دقة القدر وأن كل شئ مقدر لسبب ما لا يعرفه إلا الله ويثبت لك أنه ليس هناك أحداث عشوائية بل جميعها تحت سيطرة الخالق ولو بدت غير ذلك في حينها، مما يجعلك أكثر تقبلا لأحداث حياتك وأقل إنفعالا لها، وأكثر إستقرارا.
عودتك بالذاكرة للوراء وإسترجاعك لشريط ذكرياتك يساعدك على الشعور بسرعة مرور الزمن وأن المتعة في الدنيا لا تبقى ولا الأزمات تبقى إنما يتعاقبان فلا تحزن بضيق حال ولا تفرح بفرجه إنما كله إبتلاء فما أن تنتهي فترة كل منهما حتى تترك لك عملا حسنا تجزى به أو عملا سيئا تعاقب به.
يجعلك تشعر أن لأحداث تمر وتتعاقب وتتغير أسرع مما تتخيل حتى تجد نفسك في النهاية بحياتك كاملة نقطة في بحر وكأن ليس لك وجود مهما إرتفعت بك درجات الدنيا فآخرها موت في لحظة، يشعر المرء وقتها أن الوقت كان قصيرا وأنه ما تبقى له إلا خلود في النار أو خلود في الجنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري