الأحد، 27 نوفمبر 2011

الغلو كما يكون في التشدد يكون في التساهل أيضا



بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كَثُرَت الحملات والاستنكارات على الغلو في الدين، وهي حملات واستنكارات بحق؛ لأن الغلو في الدين منهي عنه في الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَق [المائدة: 77]، وفي الآية الأخرى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ} [النساء: 171] ، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو).

والغلو في الدين هو الزيادة عن الحد المشروع فيه، وقد يكون:

غلوًا في العبادة، كحال الثلاثة الذين قال أحدهم: أصلي ولا أنام، وقال الثاني: أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: لا أتزوج النساء.

ويكون غلوًا في الأحكام بأن يجعل المستحب بمنزلة الواجب.

ويكون غلوًا بالحكم على مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك بالكفر والخروج من الملة

وقد يكون غلوًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كغلو المعتزلة بخروجهم على ولاة أمور المسلمين بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكالغلو في التحليل والتحريم، بأن يحرم الحلال أو يحلل الحرام

فالغلو في الدين بجميع أنواعه محرم، وقد يُخْرِج من الدين ويسبِّب الهلاك، كما أهلك من كان قبلنا، ولا أحد يشك في ذلك ممن أتاه الله الفقه في الدين والبصيرة في الأحكام، فأنزل الأمور في منازلها.

ولكن هناك من هو على النقيض من غلو الزيادة في الدين، فهناك من غلا في التساهل والتسامح في الدين، ولا شك أن ديننا دين السماحة ورفع الحرج والاعتدال، ولكن يجب أن يكون هذا التسامح في حدود ما شرعه الله من الأخذ بالرُّخص الشرعية عند الحاجة إليها، والدين كله -ولله الحمد- ليس فيه أصار ولا أغلال: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]، {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) [المائدة: 6] ، ولكن الغلو في التسامح يكون بالخروج عما شرعه الله، وهذا لا يسمى تسامحًا، وإنما هو الحرج نفسه

فإلغاء أصل الولاء والبراء في الإسلام والتسوية بين المسلم والكافر بحجة التسامح، وإلغاء تطبيق نواقض الإسلام على من انطبقت عليه كلها أو بعضها، والتسوية بين الأديان – كالتسوية بين الإسلام واليهودية والنصرانية بل بين الأديان كلها من وثنية والحادية والقول بأن لا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بالطاغوت، ولا تنفي ما عدا الإسلام من الأديان الباطلة، كما تفوَّه به بعض الكتاب في بعض صحفنا المحلية، كل هذه الأمثلة غلو في التساهل والتسامح يجب إنكاره. كما يجب إنكار الغلو في الزيادة في الدين، بل قد يكون الغلو في التسامح والتساهل أشد خطرًا من الغلو بالزيادة في الدين؛ لأن الغلو في التساهل والتسامح إلى حد يجعل الدين الكافر مساويًا للدين الحق كفر بإجماع المسلمين، بخلاف الغلو في الزيادة؛ فإن كثيرًا من العلماء يرى أنه ضلال ولا يصل إلى حد الكفر

وقد ذكر العلماء أن من نواقض الإسلام من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره

فعلى من وقع في هذه الزلات الخطرة أن يتبصَّر في أمره، ويراجع الصواب، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل

وفَّق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري